القندس مهندس السّدوديعتبر هذا الحيوان مهندسا بارعا وبناّء ماهرا في نفس الوقت حيث ينشئ عشه بمهارة فائقة وبنفس المهارة ينشئ سدّا منيعا أمام عشّه ليحميه من تأثير الماء الجاري، وهو يبذل جهدا خارقا وعلى مدى عدة مراحل لإنجاز هذا العمل المرهق.
وفي المرحلة الأولى يقوم بتجميع كمّ هائل من أغصان الأشجار حيث يستخدمها في التغذية وبناء عشه والسد الذي أمامه، ولهذا يقوم هذا الحيوان بقرض الأشجار المتوفرة بأسنانه لقطعها وأثبتت الأبحاث العلمية أنه يقوم بحسابات دقيقة عند عملية القطع. ويفضل هذا الحيوان العمل على ضفة المياه التي تهب عليها الرياح وهكذا تقوم المياه بمساعدة هذا الحيوان في سحبه الأغصان التي يقطعها باتجاهه عشه .
ويتميز عش هذا الحيوان بتخطيط بارع إذ يحتوي على مدخلين سفليين تحت سطح الماء ومكان خاص فوق سطح الماء للتغذية وفوق هذا المكان يوجد مكان خاص للنوم إضافة إلى قناة خاصة لتهوئة هذا المكان .
ويقوم القندس بتجميع الأغصان واحدا فوق الآخر لتشكيل الهيكل الخارجي للعش بعناية كبيرة فلا يترك فيه أية فجوة أو ثقب ويستخدم في هذا العمل الأغصان الصغيرة مع كمية من الطين .
والمواد التي يستخدمها القندس في بناء عشه تساعد على تماسكه من جهة والحفاظ على درجة الحرارة داخله من جهة أخرى, فبالرغم من انخفاض درجة الحرارة في الشتاء إلى 35 درجة تحت الصفر فإن الحرارة داخل العش تبقى فوق الصفر باستمرار
ويقوم القندس أيضا بإنشاء مخزن للأغذية تحت العش يتغذى منه طيلة فصل الشتاء. وفي تلك الأثناء يقوم القندس بإنشاء قنوات تحتية على شكل شبكة, و يبلغ عرض هذه القنوات متران يستطيع هذا الحيوان بواسطتها أن يصل إلى اليابسة حيث توجد الأشجار التي يتغذى عليها.
د
والسدود التي يبنيها القندس تتألف من النباتات والأحجار التي يركمها فوق بعضها البعض بنفس الطريقة يبني بها العش.
ويبذل هذا الحيوان جهده في رص الأغصان على شكل مثلث طويل يربط بين ضفتي المياه إضافة إلى عمله الدؤوب في رتق الفجوات الموجودة في السد عبر ملئها بالمواد اللازمة, وكلّ هذا يحدث وهو يسبح ضد تيار الماء ويمتطي كومة عشه في الوقت نفسه. وعند حدوث أية فجوة أو خلل في بناء السد يقوم القندس باستخدام الطين أو أغصان الأشجار لملئه ثانية، وهكذا يتحول السد إلى نوع من الحوض العميق يستطيع من خلاله القندس أن يجعل من عشه مخبأ كبيرا للأغذية والمؤونة تساعده على الحياة طيلة فصل
الشتاء،
ويستطيع القندس أن يوسع من المساحة المائية داخل العش لنقل أكبر كمية ممكنة من الغذاء والمواد اللازمة لبناء العش وترميمه حتى أن هذا الأسلوب يجعل العش في مأمن من الأعداء, وفي هذا يشبه عش القندس قلعة محاطة بخنادق الدفاع يصعب الهجوم عليها.
وفي ما تقدم لخصنا سلوك القندس كمثال على العقلانية والتخطيط والحساب الدقيق في كل مرحلة من المراحل ولكن لا يمكن لي أن أرجع هذه الصفات إلى القندس وحده بسبب افتقاده للعقل أو أي شيء يمت بصلة إلى العقل،
أن مصدر سلوك القندس هو الله القادر على كلّ شيء الّذي لا حدّ لقدرته و علمه فهو الذي يلهم هذه الكائنات الحية ويأمرها فتبارك الله أحسن الخالقين