الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على النبىّ الأمين, الذى بلّغ رسالته للناس أجمعين, فتركهم على المحآجة البيضاء, ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك, وعلى أهل بيته الطاهرين أجمعين, وعلى أصحابه الذين ضحوا بالغالى والنفيس لأجل هذا الدين, وعلى ورثة الأنبياء الذين هم كالمصابيح لبنى آدم بإجماع العاقلين قبل المتقين, أما بعد…
فاعلموا يا أمة الإسلام أن العلماء هم سفينة نوح, من ركبها فقد نجى, ومن تخلّف هلك, لوما لا وهم ورثة الأنبياء
قال الله –تعالى- " فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ "الأنبياء7,
وقال –عز وجل- " وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ "النساء83,
قال العلامة السعدىّ –رحمه الله تعالى- " وفى هذا دليل لقاعدة أدبية, وهى أنه إذا حصل بحث فى أمر من الأمور ينبغى أن يُولَّى مَن هو أهلُ لذلك, ويُجعلَ إلى أهله, ولا يُتقدم بين أيديهم, فإنه أقرب إلى الصواب, وأحرى للسلامة من الخطأ",
إن ذهاب العلم مقترن برواج الفتن, وإن الالتحام بالعلماء عصمة للأمة من الضلال, والعلماء سفينة توح, من تخلَّف عنها –لا سيما فى زمان الفتن- كان من المغرقين,
عن ابن مسعود وأبو موصى –رضى الله عنهما- قالا: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم- " إن بين يدى الساعة لأياماً ينزل فيها الجهل, ويُرفع فيها العلم, ويكثر فيها الهَرْجُ, والهرج القتل",
وعن أنس –رضى الله عنه- قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم- " من أشراط الساعة أن يقل العلمُ, ويظهر الجهل",
وسبب قلة العلم موت حَمَلَتِهِ, كما ى الصحيحين عن عبد الله ابن عمرو –رضى الله عنهما- قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم- " إن الله لا يقبض العلمَ انتزاعاً ينتزعه من الناس, ولكن يقبض العلم بقبض العلماء, حتى إذا لم يترك عالماً اتخذ الناس رءوساً جُهَّالاً, فسئلوا فأفتوا بغير علم, فضَلُّوا, وأضلوا"
وعن ابن عباس –رضى الله عنهما- قال " أتدرون ما ذهاب العلم؟ ", قلنا: لا, قال "ذهاب العلماء"
وعنه –رضى الله عنه- قال " لا يزال عالم يموت, وأثر للحق يَدْرُس, حتى يكثر أهل الجهل, وقد ذهب أهلُ العلم, فيعملون بالجهل, ويدينون بغير الحق, ويضلون عن سواء السبيل ",
وعن هلال ابن خباب قال: سألت سعيد ابن جبير, فقلت: يا أبا عبد الله! ما علامة هلاك الناس؟ قال " إذا هلك علمائهم"
فياعباد الله, يا أولى الأبصار, فهذا هو حال الأمة إذا هلك علمائهم بالموت,
فما بالكم إذا قمنا بتنحية العلماء جنباً وهم أحياء..؟!
ففى الحالة الأولى ليس للأمة شيئ يفعلونه إذا مات علمائهم, فهذا قدر الله وماشاء فعل,
أما الحالة الثانية, يُجنب العلماء وهم أحياء, ويُضرب بهم عرض الحائط,
فما بالكم بهذا الوضع, أليس هذا مؤذن بهلاك الأمة على أقل تقدير..؟!,
عن أبى أمامة –رضى الله عنه- مرفوعاً "خذوا العلم قبل أن يذهب" قالوا: كيف يذهب العلم يانبىّ الله, وفينا كتاب الله؟,
قال فغضب –لا يُغْضبه اللهُ- ثم قال " ثكلتكم أمهاتكم, أولم تكن التوراة والإنجيل فى بنى إسرائيل, فلم يغنيا عنهم شيئاً؟! إن ذهاب العلم أن يذهب حَمَلَتُه"
فا الله أسأل أن يرحم من مات من علماء المسلمين,
وأن يبارك لنا فى مشايخنا الباقيين, فهم النور الذى به نُبصر فى هذه الظلمات التى بعضها فوق بعض, ولم لا وهم أعلم الخلق بالله وبمراد الله, وبرسول الله وبمراد رسول الله
فقد قال الحسن البصرىّ –رحمه الله- " الدينا كلها ظلمة, إلا مجالس العلماء "
قال الإمام أبو بكر الآجرىّ –رحمه الله تعالى- " فما ظنكم –رحمكم الله- بطريق فيه آفات كثيرة, ويحتاج الناس إلى سلوكه فى ليلة ظلماء, فإن لم يكن فيها ضياء وإلا تحيّروا, فقيّض الله لهم فيه مصابيح تضئ لهم, فسلكوه على السلامة والعافية, ثم جاءت طبقات من الناس, لابد لهم من السلوك فيه فسلكوا, فينما هم كذلك إذ طفئت المصابيح, فبقوا فى الظلمة, فما ظنكم بهم؟
هكذا العلماء فى الناس, لا يعلم كثير من الناس كيف أداءُ الفرائض, ولا كيف اجتناب المحارم, ولا كيف يُعْبد الله فى جميع ما يَعبده به خلقُه إلا ببقاء العلماء, فإذا مات العلماء تحيّر الناس, ودَرَس العلم بموتهم, وظهر الجهل" اهـ,
إن مهمة المبصرين هى التبصير, ولا سيما فى أوقات الفتن; حيث يكون العلماء الفاقهون وحدهم هم المستشرفين لنتائجها فى لحظات إقبالها على حَدِّ قول الحماسى:
تبين أعقابُ الأمور إذا مضت * وتُقبل أشباهاً عليك صدورها
وقول الآخر يمدح ذا البصيرة النافذة:
بصيرٌ بأعقاب الأمور برأيه * كأنَّ له فى اليوم عيناً على غدِ
ولهذا قال الحسن البصرىّ –رحمه الله- " الفتنة إذا أقبلت عرفها كل عالم, وإذا أدبرت عرفها كل جاهل"
فهذا العلم عرفها بأن يشاهدها بنور بصيرته, فإن كان علمه كاملاً أبصرها ورأى نتائجها, وكأنه يهتك حُجُبَ الغيب, ويتأخر وقت إدراكه لضررها كلما كان علمه أقل, فهذا هو دأب العالم,
أما الجاهل يعرفها إذا انتهت, فلا فضل للجاهل فى رؤية تشتت دعاتها وإفلاسهم, فإنها تكون مشاهدة عينٍ وبصرٍ, ولذلك يتمكن منها من لا عقل له أيضاً,
وما فتنة الروافض عنّا ببعيد, فما أحكم من علمائنا, وما أحمق من كل ناعق لا يلقى للعلماء بالا
فإنّ الالتحام بالعلماء والصدور عن توجيههم من أهم سبل الوقاية من الفتن, والعصمة من الزيغ والضلال,
فقد أعزّ الله دينه بالصِّدَّيق الأكبر –رضى الله عنه- يوم الردة, وبأحمد ابن حنيل يوم المحنة,
وبابن تيمية يوم الغزو التتارى الوحشى, حين حرَّض الأمراء والعامة على التصدى للتتار, وارتاب الناس فى حكم قتالهم, حنى قال شيخ الإسلام –رحمه الله- " لو رأيتمونى فى صف التتر موالياً لهم, وعلى رأسى مصحف, فاقتلونى", فتشجع الناس فى قتال التتر, وقويت قلوبهم,
وتأمل كيف كشف السَّنوسي زيف دعوى المهدى السودانى؟!
وكيف وفَّرت البيئة الجاهلة المناخ المناسب لاحتضان ونُصرة مهدى المغاربة ابت تومرت, وغيرهم
فالعلماء هم سفينة نوح, من ركبها نجى, ومن تخلف عنها كان من المغرقين,
والدنيا كلها ظلمة, إلا مجالس العلماء.
وهنا الكفاية, والحمد لله على نعمة الهداية
هذا ومن أراد أن يُراجع المادة هذه فليرجع إلى كتاب "بصائر فى الفتن" للشيخ محمد إسماعيل المقدم –حفظه الله- (22-27)
والحمد لله رب ال