algerois مشرفة قسم
عدد المساهمات : 2258 نقاط : 6082 تاريخ التسجيل : 31/12/2009 العمر : 29
| موضوع: فوائد سورة الفاتحة الأربعاء فبراير 10, 2010 11:42 am | |
| بسم الله الرحمن الرحيم
قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، رحمه الله ورضي عنه : اعلم أرشدك الله لطاعته، وأحاطك بحياطته، وتولاك في الدنيا والآخرة: أن مقصود الصلاة وروحها ولبها، هو إقبال القلب على الله تعالى فيها، فإذا صليت بلا قلب فهي كالجسد الذي لا روح فيه ويدل على هذا قوله تعالى: {فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ } ]سورة الماعون الآية 4-5], ففسر السهو بالسهو عن وقتها, أي إضاعته- والسهو عن ما يجب فيها, والسهو عن حضور القلب, ويدل على ذلك الحديث الذي في صحيح مسلم أن رسول الله قال: ((تلك صلاة المنافق, تلك صلاة المنافق, تلك صلاة المنافق, يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني شيطان قام فنقر أربعاً لايذكر فيها إلا قليلاً))
(رواه مسلم) .فوصفه بإضاعة الوقت بقوله: -يرقب الشمس- وبإضاعة الأركان بذكره النقر , وبإضاعة حضور القلب بقوله: -لا يذكر الله فيها إلا قليلا-.إذا فهمت ذلك، فافهم نوعا واحداً من الصلاة، وهو قراءة الفاتحة، لعل الله أن يجعل صلاتك في الصلوات المقبولة المضاعفة، المكفرة للذنوبومن أحسن ما يفتح لك الباب في فهم الفاتحة، حديث أبي هريرة الذي في صحيح مسلم، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"يقول الله: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، ولعبدي ما سأل. فإذا قال العبد: { الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } قال الله: حمدني عبدي، فإذا قال: { الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } قال الله: أثنى علي عبدي، فإذا قال: { مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ } قال الله: مجدني عبدي، فإذا قال:{ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } قال الله: هذا بيني وبين عبدي، ولعبدي ما سأل، فإذا قال: { اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ } قال الله: هذالعبدي ولعبدي ما سأل". انتهى الحديث. (اخرجه مسلم). فإذا تأمل العبد هذا، وعلم أنها نصفان: نصف لله، وهو أولها إلى قوله: { إِيَّاكَ نَعْبُدُ } ونصف للعبد دعاء يدعو به لنفسه، وتأمل أن الذي علمه هذا هو الله تعالى، وأمره أن يدعو به، ويكرره في كل ركعة، وأنه سبحانه من فضله وكرمه ضمن إجابة هذا الدعاء إذا دعاه بإخلاص وحضور قلب، تبين له ما أضاع أكثر الناس.قد هيؤوك لأمر لو فطنت له ... فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهملوها أنا أذكر لك بعض معاني هذه السورة العظيمة، لعلك تصلي بحضور قلب، ويعلم قلبك ما نطق به لسانك؛ لأن ما نطق به اللسان ولم يعقد عليه القلب ليس بعمل صالح، كما قال تعالى: { يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ} [سورة الفتح الآية:11]وأبدأ بمعنى الاستعاذة، ثم البسملة، على طريق الاختصار والإيجاز فمعنى{أعوذ بالله من الشيطان الرجيم}: ألوذ بالله وأعتصم بالله، وأستجير بجنابه من شر هذا العدو، أن يضرني في ديني أو دنياي، أو يصدني عن فعل ما أمرت به، أو يحثني على فعل ما نهيت عنه، لأنه أحرص ما يكون على العبد، إذا أراد عمل الخير، من صلاة أو قراءة أو غير ذلك، وذلك أنه لا حيلة لك في دفعه إلا بالاستعاذة بالله،لقوله :{ إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ }[سورة الأعراف الآية : 27].فإذا طلبت من الله أن يعيذك منه، واعتصمت به، كان هذا سببا في حضور القلب. فاعرف معنى هذه الكلمة، ولا تقلها باللسان فقط، كما عليه أكثر الناس.وأما البسملة: فمعناها: أدخل في هذا الأمر من قراءة أو دعاء أو غير ذلك { بِسْمِ اللَّهِ }، لا بحولي ولا بقوتي، بل أفعل هذا الأمر مستعينا بالله، متبركا باسمه تبارك وتعالى، هذا في كل أمر تسمي في أوله، من أمر الدين أو أمر الدنيا.فإذا أحضرت في نفسك: أن دخولك في القراءة بالله، مستعينا به، متبرئا من الحول والقوة، كان هذا أكبر الأسباب في حضور القلب، وطرد الموانع من كل خير. { الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ }:اسمان مشتقان من الرحمة، أحدهما أبلغ من الآخر، مثل: العلام والعليم، قال ابن عباس : "هما اسمان رقيقان، أحدهما أرق من الآخر"، أي: أكثر من الآخر رحمة
وأما الفاتحة، فهي سبع آيات: ثلاث ونصف لله، وثلاث ونصف للعبد؛
فأولها: { الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ }
الألف واللام في قوله: { الْحَمْدُ } للاستغراق، أي: جميع أنواع الحمد لله لا لغيره، فأما الذي لا صنع للخلق فيه، مثل خلق الإنسان، وخلق السمع والبصر، والسماء والأرض، والأرزاق، وغير ذلك: فواضح.
وأما ما يحمد عليه المخلوق، مثل ما يثنى به على الصالحين والأنبياء المرسلين، وعلى من فعل معروفا، خصوصا إن أسداه إليك، فهذا كله لله أيضا، بمعنى أنه خلق ذلك الفاعل، وأعطاه ما فعل به ذلك، وحببه إليه وقواه عليه، وغير ذلك من إفضال الله الذي لو يختل بعضها، لم يحمد ذلك المحمود، فصار الحمد كله لله بهذا الاعتبار وأما قوله: {لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } فالله عَلَمٌ على ربنا تبارك وتعالى، ومعناه: الإله، أي: المعبود، لقوله: { وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ }[سورة الأنعام الآية 3]أي: المعبود في السماوات، والمعبود في الأرضإن كل من في السموت والأرض إلا ءاتي الرحمن عبداً)[سورة مريم الآية: 93] .وأما الرب، فمعناه: المالك المتصرف. وأماالْعَالَمِينَ فهو اسم لكل ما سوى الله تبارك وتعالى؛ فكل ما سواه من ملك ونبي، وإنسي وجني وغير ذلك، مربوب مقهور يتصرف فيه، فقير محتاج، كلهم صامدون إلى واحد لا شريك له في ذلك، وهو الغني الصمد.
وذكر بعد ذلك: { مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ }،وفي قراءة أخرى { مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ } فذكر في أول هذه السورة، التي هي أول المصحف، الألوهية والربوبية والملك، كما ذكره في آخر سورة في المصحف { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ مَلِكِ النَّاسِ إِلَهِ النَّاسِ } : فهذه ثلاثة أوصاف لربنا تبارك وتعالى، ذكرها مجموعة في موضع واحد في أول القرآن، ثم ذكرها مجموعة في موضع واحد، في آخر ما يطرق سمعك من القرآن، فينبغي لمن نصح نفسه أن يعتني بهذا الموضع، ويبذل جهده في البحث عنه، ويعلم أن العليم الخبير، لم يجمع بينهما في أول القرآن، ثم في آخره إلا لما يعلم من شدة حاجة العباد إلى معرفتها، ومعرفة الفرق بين هذه الصفات، فكل صفة لها معنى غير معنى الصفة الأخرى، كما يقال: محمد رسول الله، وخاتم النبيين، وسيد ولد آدم، فكل وصف له معنى غير ذلك الوصف الآخر.
إذا عرفت: أن معنى"الله" هو الإله، وعرفت أن الإله هو المعبود، ثم دعوت الله، أو ذبحت له، أو نذرت له، فقد عرفت أنه الله، فإن دعوت مخلوقا طيبا أو خبيثا، أو ذبحت له أو نذرت له، فقد زعمت أنه هو الله.
وأما "الرب" فمعناه: المالك المتصرف، فالله تعالى مالك كل شيء، وهو المتصرف فيه، وهذا حق، ولكن أقر به عبّاد الأصنام الذين قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كما ذكر الله عنهم في القرآن في غير موضع، كقوله تعالى: { قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمْ مَنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ}[سورة يونس الآية : 31]
فمن دعا الله في تفريج كربته وقضاء حاجته، ثم دعا مخلوقا في ذلك، خصوصاً إن اقترن بدعائه نسبة نفسه إلى عبوديته مثل قوله في دعائه (فلان عبدك) أو قول (عبد علي) أو (عبد النبي أو الزبير) فقد أقر له بالربوبية ولم يقر لله بأنه رب العالمين، بل جحد بعض ربوبيته. فرحم الله عبدا نصح نفسه، وتفطن لهذه المهمات
...
وأما " الملك " فيأتي الكلام عليه؛ وذلك أن قوله: { مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ } وفي القراءة الأخرى { مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ } فمعناه عند جميع المفسرين كلهم، فسره الله في قوله: { وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ } [سورة الأنفطار الآيات: 17 - 19].
فمن عرف تفسير هذه الآية, وعرف تخصيص الملك بذلك اليوم, مع أنه سبحانه مالك كل شئ ذلك اليوم وغيره, عرف أن التخصيص لهذه المسألة الكبيرة العظيمة التي بسبب معرفتها دخل الجنة من دخلها, وبسبب الجهل بها دخل النار من دخلها, فيالها من مسألة لو رحل الرجل فيا أكثر من عشرين سنة لم يوفها حقها, فأين هذا المعنى والإيمان بما صرح به القرآن, مع قوله : (يا فاطمة بنت محمد لا أغني عنك من الله شيئاً), (أخرجه البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة), من قول صاحب البردة:
ولن يضيق رسول الله جاهك بــي ::::::::: إذا الكريـــم تحلى باسـم منتقم فإن لي ذمـة منه بتسـميـي :::::::: محمداً وهو أوفي الخلق بالذمم إن لم تكـن في مادي آخذاً بيدي :::::::: فضلاً وإلا فقـل يا زلة القـدم فليتأمل من نصح نفسه هذه الأبيات ومعناها, ومن فتن بها من العباد, وممن يدعي انه من العلماء, واختاروا تلاوتها على تلاوة القرآن. هل يجتمع في قلب عبد التصديق بهذه الأبيات والتصديق بقوله: (يوم لا تملك نفس لنفس شيئاً والأمر يومئٍذ لله) وقوله: (يا فاطمة بنت محمد لا أغني عنك من الله شيئاً) لا والله , لا والله , لا والله إلا كما يجتمع في قلبه أن موسى صادق, وأن فرعون صادق, وأن محمداً صادق على الحق, وأن أبا جهل صادق على الحق. لا والله ما استويا ولن يتلاقيل حتى تشيب مفارق الغربان.
فمن عرف هذه المسألة وعرف البردة, ومن فتن بها عرف غربة الإسلام, وعرف أن العداوة واستحلال دمائنا وأموالنا ونسائنا, ليس عند التكفير والقتال, بل هم الذين بدءونا بالتكفير والقتال, بل عند قوله: (فلا تدعوا مع الله أحداً) ]سورة الجن, الآية: 18] , وعند قوله: (اولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب) ]سورة الإسراء, الآية: 57], وقوله: (له دعوة الحق والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشئ) ]سورة الرعد, الآية: 14], فهذه بعض المعاني في قوله: (مالك يوم الدين) بإجماع المفسرين كلهم, وقد فسرها الله سبحانه في سورة (إذا السماء انفطرت) كما قدمت لك.
واعلم أرشدك الله أن الحق لا يتبين إلا بالباطل كما قيل: وبضدها تتبين الأشياء. فتأمل ما ذكرت لك ساعة بعد ساعة, ويوماً بعد يوم وشهراً بعد شهر, وسنة بعد سنة لعلك أن تعرف ملة أبيك إبرهيم ودين نبيك فتحشر معهما, ولا تصد عن الحوض يوم الدين, كما يصد عنه من صد عن طريقهما , ولعلك أن تمر على الصراط يوم القيامة, ولا تزل عنه كما زل عن صراطهما المستقيم في الدنيا من زل, فعليك بإدامة دعاء الفاتحة مع حضور القلب وخوف وتضرع.
وتضمنت هذه الثلاث الآيات ثلاث مسائل:الآية الأولى: فيها المحبة؛ لأن الله منعم، والمنعم يُحَبُ على قدر إنعامه؛ والمحبة تنقسم إلى أربعة أنواع: محبة شركية، وهي محبة الذين قال الله فيهم: { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ } إلى قوله: { وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ } [سورة البقرة الآيات :165-166-167 ]المحبة الثانية: حب الباطل وأهله، وبغض الحق وأهله، وهذه صفة المنافقينوالمحبة الثالثة: طبيعية، وهي محبة المال والولد، فإذا لم تشغل عن طاعة الله، ولم تعن على محارم الله، فهي مباحةوالمحبة الرابعة: حب أهل التوحيد، وبغض أهل الشرك، وهي أوثق عرى الإيمان، وأعظم ما يعبد بها الإنسان ربهالآية الثانية:فيها الرجاء. والآية الثالثة:فيها الخوف.وأما قوله: { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } : أعبدك يا رب بما مضى بهذه الثلاث، بمحبتك ورجائك وخوفك وهذه الثلاث أركان العبادة، وصرفها لغير الله شرك.فالعبادة: كمال المحبة، وكمال الخضوع والخوف والذل، وقدم المفعول وهو إياك، وكرر للاهتمام والحصر، أي: لا نعبد إلا إياك، ولا نتوكل إلا عليك، وهذا هو كمال الطاعة؛ والدين كله يرجع إلى هذين المعنيين: فالأول: التبرؤ من الشرك، والثاني: التبرأ من الحول والقوة، فقوله: { إِيَّاكَ نَعْبُدُ } أي: إياك نوحد؛ ومعناه: أنك تعاهد ربك أن لا تشرك به في عبادته أحدا، لا ملكا ولا نبيا، ولا غيرهما، كما قال للصحابة: { وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَاباً أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } [سورة آل عمران, الآية: 80]وفيها من الفوائد: الرد على ثلاث الطوائف التي كل طائفة تعلق بواحدة منها، كمن عبد الله بالمحبة وحدها، وكذلك من عبد الله بالرجاء وحده كالمرجئة، وكذلك من عبد الله بالخوف وحده كالخوارجوقوله: { وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } هذا فيه أمران:أحدهما: سؤال الإعانة، وهو التوكل، والتبرأ من الحول والقوةوأيضا: طلب الإعانة من الله كما مر أنها من نصف العبدفهي سؤال منك لمولاك سبحانه أن يعينك على أمور دينك ودنياك، ولا يكلك إلى نفسك، ولا إلى أحد من خلقه، وإخبار منك أنك لا تستعين إلا به تبارك وتعالى.وأما قوله: { اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ } : تسأله تعالى أن يهديك إلى طريق الجنة، الذي لا اعوجاج فيه، الذي نصبه طريقا إليها، لا طريق لها إلا هو، وهو التوحيد والبراءة من الشرك وتوابعه، وذلك مع أداء الفرائض وترك المحارم.فهذا هو الدعاء الصريح الذي هو حظ العبد من الله، وهو التضرع إليه والإلحاح عليه أن يرزقه هذا الطلب العظيم الذي لم يعط أحد في الدنيا والآخرة أفضل منه، كما من الله على رسولهبعد الفتح بقوله: { وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً } [سورة الفتح, الآية: 2] ..... والهداية هاهنا: التوفيق والإرشاد.وليتأمل العبد ضرورته إلى هذه المسألة، فإن الهداية إلى ذلك تتضمن العلم، والعمل الصالح، على وجه الاستقامة والكمال، والثبات على ذلك إلى أن يلقى الله والصراط: الطريق الواضح، والمستقيم: الذي لا عوج فيه، والمراد بذلك: الدين الذي أنزله الله على رسوله صلى الله عليه وسلم، وهو { صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ }،وهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وأنت دائما في كل ركعة تسأل الله أن يهديك إلى طريقهم.
وعليك من الفرائض أن تصدق الله أنه هو المستقيم، وكل ما خالفه من طريق أو علم أو عبادة فليس بمستقيم، بل معوج؛ وهذه أول الواجبات من هذه الآية، وهو اعتقاد ذلك بالقلب
وليحذر المؤمن من خدع الشيطان، وهو اعتقاد ذلك مجملا، وتركه مفصلا؛ فإن أكفر الناس من المرتدين يعتقدون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم على الحق، وأن ما خالفه باطل، فإذا جاء بما لا تهوى أنفسهم، فكما قال تعالى: {فَرِيقاً كَذَّبُوا وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ }. [سورة المائدة, الآية: 70].
وأما قوله: { غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ }فالمغضوب عليهم هم: العلماء الذين لم يعملوا بعلمهم، والضالون: العاملون بلا علم، فالأول صفة اليهود، والثاني صفة النصارى.
وكثير من الناس إذا رأى في التفسير أن اليهود مغضوب عليهم، وأن النصارى ضالون، ظن الجاهل أن ذلك مخصوص بهم، وهو يُقر أن ربه فارض عليه أن يدعو بهذا الدعاء، ويتعوذ من طريق أهل هذه الصفات.
فيا سبحان الله! كيف يعلمه الله ويختار له ويفرض عليه أن يدعو به دائما، مع أنه لا حذر عليه منه، ولا يتصور أنه يفعله ؟ ! هذا من ظن السوء بالله
فإذا سلم العبد من آفة الجهل، وصار من أهل المعرفة، ثم سلم من آفة الفسق وعمل بما أمره الله به، صار من الذين أنعم الله عليهم، من أهل الصراط المستقيم
وهذا الدعاء جامع لخيري الدنيا والآخرة؛أما جمعه لخير الآخرة فواضحوأما جمعه لخير الدنيا، فلأن الله تعالى يقول :{وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ } [سورة الأعراف الآية :96]
والإيمان والتقوى هو الصراط المستقيم، فقد أخبر أن ذلك سبب لفتح بركات السماء والأرض، هذا في الرزق.
وأما في النصر، فقد قال تعالى: { وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ } [سورة المنافقون الآية 08 ].
فأخبر الله أن العزة تحصل بالإيمان وهو الصراط المستقيم، فإذا حصل العز والنصر، وحصل فتح بركات السماء والأرض، فهذا خير الدنيا، والله أعلم.
فهذه السورة تضمنت الألوهية، والربوبية، ونفي النقائص عن الله، وتضمنت معرفة العبادة وأركانها، فكل آية منها لو يعلمها الإنسان صار فقيها، وكل آية أفرد معناها بالتصانيف، والله أعلم. هذا آخر الفاتحة وأما "آمين" فليست من الفاتحة، ولكنها تأمين على الدعاء، معناها: اللهم استجب، فالواجب تعليم الجاهل، لئلا يظن أنها من كلام الله، والله أعلم.
| |
|
muslim مشرفة قسم
عدد المساهمات : 1831 نقاط : 4952 تاريخ التسجيل : 13/07/2009 العمر : 30
| موضوع: رد: فوائد سورة الفاتحة الجمعة فبراير 12, 2010 5:53 am | |
| مشكوووووووووووووووووووووووووور | |
|