[center]ثلاث لهم أجران
عفان بن شيخ صديق السركتي
الحديث الأول:
عَن أَبِي موسى الاشعري-رضي الله عنه- قَاْلَ: قَاْلَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (( ثَلاثَةٌ لَهُمْ أجْرَانِ: رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ آمَنَ بِنَبِيِّهِ، وَآمَنَ بِمُحَمَّدٍ، وَالعَبْدُ المَمْلُوكُ إِذَا أدَّى حَقَّ الله، وَحَقَّ مَوَالِيهِ، وَرَجُلٌ كَانَتْ لَهُ أَمَةٌ فَأدَّبَهَا فَأَحْسَنَ تَأدِيبَهَا، وَعَلَّمَهَا فَأَحْسَنَ تَعْلِيمَهَا، ثُمَّ أعْتَقَهَا فَتَزَوَّجَهَا، فَلَهُ أَجْرَانِ))
التخريج:
رواه الإمام البخاري برقم: (97) والإمام مسلم برقم: (154).
أبو موسى الاشعري: عبد الله بن قيس بن سليم الأشعري التميمي الفقيه المقرئ وهو معدود فيمن قرأ على النبي، أقرأ أهل البصرة وفقههم في الدين أسلم بمكة وهاجر إلى الحبشة وأول مشاهده خيبر، ومات سنة اثنتين وأربعين، قال أبو أحمد الحاكم: أسلم بمكة ثم قدم مع أهل السفينتين بعد فتح خيبر بثلاث فقسم لهم النبي ولي البصرة لعمر وعثمان وولي الكوفة وبها مات.
لغة الحديث:
أَهْلِ الكِتَابِ: لَفْظ الْكِتَاب عَامّ وَمَعْنَاهُ خَاصّ، أَيْ: الْمُنَزَّل مِنْ عِنْد اللَّه، وَالْمُرَاد بِهِ التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل كَمَا تَظَاهَرَتْ بِهِ نُصُوص الْكِتَاب وَالسُّنَّة حَيْثُ يُطْلَق أَهْل الْكِتَاب، وَقِيلَ الْمُرَاد بِهِ هُنَا الْإِنْجِيل خَاصَّة إِنْ قُلْنَا إِنَّ النَّصْرَانِيَّة نَاسِخَة لِلْيَهُودِيَّةِ، كَذَا قَرَّرَهُ جَمَاعَة.
أمة: الأَمَةُ المَمْلوكةُ خِلاف الحُرَّة وفي التهذيب الأَمَة المرأَة ذات العُبُودة وقد أَقرّت بالأُمُوَّة.
أعْتَقَهَا: العِتْقُ خلاف الرِّق وهو الحرية وكذلك العَتاقُ بالفتح والعَتاقةُ عَتَقَ العبدُ يَعْتِقُ عِتْقاً وعَتْقاً وعَتاقاً وعَتاقَةً فهو عَتيقٌ وعاتِقٌ وجمعه عُتَقاء وأَعْتَقْتُه أَنا فهو مُعْتَقٌ وعَتيقٌ والجمع كالجمع وأَمَةٌ عَتيقٌ وعَتيقَةٌ في إِماءٍ عَتائِق، وعَتَق هو فهو عَتِيق: أي حَرَّرْته فصار حُرًّا.
الفوائد والعبر:
الأولى: أَنَّ الْآيَة الْمُوَافِقَة لِهَذَا الْحَدِيث وَهِيَ قَوْله - تعالى -: (أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرهمْ مَرَّتَيْنِ) نَزَلَتْ فِي طَائِفَة آمَنُوا مِنْهُمْ كَعَبْدِ اللَّه بْن سَلَام وَغَيْره، فَفِي الطَّبَرَانِيّ مِنْ حَدِيث رِفَاعَة الْقُرَظِيّ قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَات فِيَّ وَفِيمَنْ آمَنَ مَعِي.
الثانية: وَقَعَ فِي شَرْح اِبْن التِّين وَغَيْره أَنَّ الْآيَة الْمَذْكُورَة نَزَلَتْ فِي كَعْب الْأَحْبَار وَعَبْد اللَّه بْن سَلَام، وَهُوَ صَوَاب فِي عَبْد اللَّه خَطَأ فِي كَعْب؛ لِأَنَّ كَعْبًا لَيْسَتْ لَهُ صُحْبَة، وَلَمْ يُسْلِم إِلَّا فِي عَهْد عُمَر بْن الْخَطَّاب، وَاَلَّذِي فِي تَفْسِير الطَّبَرِيّ وَغَيْره عَنْ قَتَادَة أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي عَبْد اللَّه بْن سَلَام وَسَلْمَان الْفَارِسِيّ، وَهَذَا مُسْتَقِيم؛ لِأَنَّ عَبْد اللَّه كَانَ يَهُودِيًّا فَأَسْلَمَ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْهِجْرَة، وَسَلْمَان كَانَ نَصْرَانِيًّا فَأَسْلَمَ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْبُيُوع. وَهُمَا صَحَابِيَّانِ مَشْهُورَانِ.
الثالثة: قَالَ الْقُرْطُبِيّ الْكِتَابِيّ الَّذِي يُضَاعَف أَجْره مَرَّتَيْنِ هُوَ الَّذِي كَانَ عَلَى الْحَقّ فِي شَرْعه عَقْدًا وَفِعْلًا إِلَى أَنْ آمَنَ بِنَبِيِّنَا - صلى الله عليه وسلم -، فَيُؤْجَر عَلَى اِتِّبَاع الْحَقّ الْأَوَّل وَالثَّانِي. اِنْتَهَى. وَيُشْكِل عَلَيْهِ أَنَّ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - كَتَبَ إِلَى هِرَقْل: (( أَسْلِمْ يُؤْتِك اللَّه أَجْرك مَرَّتَيْنِ))، وَهِرَقْل كَانَ مِمَّنْ دَخَلَ فِي النَّصْرَانِيَّة بَعْد التَّبْدِيل، وَقَدْ قَدَّمْت بَحْث شَيْخ الْإِسْلَام فِي هَذَا فِي حَدِيث أَبِي سُفْيَان فِي بَدْء الْوَحْي.
الرابعة: قَالَ أَبُو عَبْد الْمَلِك الْبَوْنِيّ وَغَيْره: إِنَّ الْحَدِيث لَا يَتَنَاوَل الْيَهُود الْبَتَّة، وَلَيْسَ بِمُسْتَقِيمٍ كَمَا قَرَّرْنَاهُ. وَقَالَ الدَّاوُدِيّ وَمَنْ تَبِعَهُ: إِنَّهُ يَحْتَمِل أَنْ يَتَنَاوَل جَمِيع الْأُمَم فِيمَا فَعَلُوهُ مِنْ خَيْر كَمَا فِي حَدِيث حَكِيم بْن حِزَام الْآتِي: (( أَسْلَمْت عَلَى مَا أَسْلَفْت مِنْ خَيْر)) وَهُوَ مُتَعَقَّب؛ لِأَنَّ الْحَدِيث مُقَيَّد بِأَهْلِ الْكِتَاب فَلَا يَتَنَاوَل غَيْرهمْ إِلَّا بِقِيَاسِ الْخَيْر عَلَى الْإِيمَان.
الخامسة: (آمَنَ بِنَبِيِّهِ) بين علة الأجر؛ لأنه آمن بنبيين من أنبياء الله، ومن كفر به عليه وزرين أكثر مما على الكفار؛ لأنهم لا يعرفون رسول الله وأهل الكتاب يعرفونه كما يقول - سبحانه-: (يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدهمْ فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل).
السادسة: على المسلم تعليم أمته وأهله سنن النبي وشرائع الإسلام.
السابعة: العبد الذي يؤدى حق سيده من الطاعة والتزام أوامرهن وحق الله - سبحانه - بامتثال أوامره واجتناب نواهيه له أجران